محمد محمود مرتضى
لقد وضعت الکلمة الأخیرة للأمین العام لحزب الله السید حسن نصر الله النقاط على الحروف، فأوضحت ما کان ملتبسًا عند البعض وإن لم یکن کذلک عند آخرین.
تمحورت کلمة السید نصر الله على نقطتین: مخطوفی الجیش اللبنانی والقوى الأمنیة الأخرى عند الجماعات التکفیریة، والحلف الأمیرکی لما یسمّى محاربة داعش.
فی النقطة الأولى ترکّزت الکلمة على کشف التزییف الذی تتعرض له مواقف حزب الله الحقیقیة من موضوع المخطوفین الرهائن.
وفی الواقع إنّ حملات التزییف والتشویة هذه لیست جدیدة بل بدأت منذ أن اتّخذ فریقٌ من اللبنانیین قرارًا باستهداف المقاومة بما هی خیار ونهج مقابل الهیمنة الأمیرکیة ومشاریعها للمنطقة لا سیما بعد حرب تموز 2006.
بدأت هذه الحملات تستهدف سلاح المقاومة أولًا، ثم انصبّت لاحقًا على قضیة الحرب الاستباقیة التی شنّها حزب الله على التیار التکفیری عبر بوابة الحرب فی سوریا.
کان سلاح حزب الله هو عنوان الحملة التی ترید تشویه الذاکرة واغتصابها عبر "الکذب" الممنهج، حتى خیّل للمرء أنّ عقم النظام اللبنانی وترکیبته المهترئة وبعض ساسة التحریض المذهبی والمحاصصة فی الترکیبة الطائفیة وعملیات تهمیش وإفقار مناطق بعینها لتبریر الاستمرار بمسک قرارها والهیمنة علیها، بل والحرب الاهلیة، ودیون لبنان الخارجیة والداخلیة، کل ذلک سببه هذا السلاح.
وبعد دخول الحزب على خط الحرب السوریة تغیّر عنوان الحملة لیضغط باتجاه جعل هذا التدخل هو أساس بلاءات لبنان.
یمارس أصحاب هذه الحملة "حوار الطرشان" کما هی عادتهم، بل کما هی عادة الحوار فی لبنان. یصر على فکرته وإن واجهته بعشرات الأمثلة التاریخیة القریبة جدًا، عن وجود هذه الفئات التکفیریة ومشاریعها فی لبنان قبل بدء الازمة السوریة لیس فقط قبل دخول الحزب على خطها.
من عملیات اغتیال القضاة الاربعة فی صیدا الى أحداث الضنیة والبقاع الى نهر البارد وعشرات البیانات التابعة للقاعدة، التی کانت تعتبر فی ذلک الوقت أنّ لبنان أرض نصرة لا أرض جهاد، ما یشیر الى أنّ هذه التنظیمات کانت تنشط على الساحة اللبنانیة لکن لمهام لوجستیة.
کل هذه الوقائع "یطنشها" هؤلاء الساسة ویقفزون عنها. إنّ الاختلاف أمرٌ طبیعی فی الحیاة السیاسیة، وبالتالی فمن الطبیعی أن ینتقد أی طرف الطرف الآخر، یفنّد آراءه وتصریحاته، یبیّن ما یعتبره مواضع الخلل وفق وجهة نظره، الا أنّ ما یعیب الحیاة السیاسیة فی لبنان أنّ بعض مسؤولیه لا یمارسون الاختلاف وفق أخلاقیات وأصول الاختلاف. لأنّ الاختلاف لا یعنی بأیّ شکلٍ من الاشکال أن نمارس التضلیل وتحریف الوقائع ومواقف الخصم، کما أنه لا یعنی محاولة استغلال قضایا انسانیة لتحقیق مکاسب سیاسیة او اعلامیة.
تبدو الاطراف التی تشارک فی الحملة على المقاومة تعانی من أزمة فی الأخلاق السیاسیة قبل أن تعانی من أزمة سیاسیة. إنّ الطرف الذی یلجأ عادةً الى تزییف مواقف "الآخر" انما یعنی انه وصل الى طریق مسدود فی امکانیة أن ینتج موقفًا مسؤولًا فی خطابه، أو مشروعًا متوازنًا یقدمه لأنصاره قبل خصومه.
والواقع أنّ هذا الهجوم المستمر على المقاومة مقصودٌ بحد ذاته بغض النظر عن أنه هل سیجدی نفعًا أو یوصل الى أهدافه، لأنّ المطلوب أیضًا إبقاء المقاومة تحت مروحة الاتهام لإبقاء المقاومة ومؤیدیها فی مواقع الدفاع الاعلامی والسیاسی وعدم الانتقال الى مواقع الهجوم. وهذا الاسلوب هو أحد أسالیب "الاشغال" التی تعتمدها الولایات المتحدة وأدواتها.
لقد وجد الحزب نفسه مضطرًا، عبر إطلالة السید نصر الله الاعلامیة، لتوضیح موقفه الذی کان یبلغه للاطراف المعنیة فی الحکومة وخارج الحکومة. لا سیما بعد ظهور تناغمٍ، سواء کان مقصودًا أو غیر مقصود، بین اتهامات هذه الاطراف اللبنانیة واهداف الاطراف الخاطفة فی زرع الشقاق بین المقاومة واهالی المخطوفین.
أما فی المحور الثانی المتعلق بالتحالف الامیرکی فقد أکّد السید نصر الله على مواقف الحزب الثابتة والمعروفة فیما یتعلق بالعلاقة مع الولایات المتحدة.
تکمن أهمیة الموقف الذی أظهره السید فی انه اثبت للجمیع إمکانیة المواءمة بین المبادئ والمصالح.
صحیحٌ أنّ مصالح حزب الله بل مصالح کل المنطقة ومنها لبنان تکمن فی ضرب داعش، إلا أنّ قاعدة "عدو عدوی صدیقی" لا تنطبق على الامیرکی لأسباب شرحها السید نصر الله شرحًا وافیاً.
من هنا لا یمکن الدخول فی حلفٍ تقوده أمیرکا تحت شعار محاربة الارهاب، فی وقتٍ تمثّل هی رأس حربة للارهاب والمدافع الابرز عن رمز الارهاب فی المنطقة وهو العدو الاسرائیلی.
قدم حزب الله "نظریته" حول محاربة الارهاب والتی قضت: نحن ضدّ هذا الحلف ولن نتعامل معه بل سنعتبره یأتی فی سیاق محاولات تعزیز النفوذ الامیرکی، لکننا فی نفس الوقت سنستمر فی محاربة الارهاب وفق رؤیتنا وادواتنا ووسائلنا المشروعة.
إنّ خلاصة ما قاله حزب الله عبر أمینه العام هو: إنّ عنوان "محاربة الارهاب" لم ولن یکون فی یومٍ من الایام ذریعةً لاستخدامنا فی التعاون مع رأس الارهاب الامیرکی لتدمیر منطقتنا وتفتیتها وتمزیقها. وإنّ واجبات خط المقاومة تقضی العمل على خطین متوازیین: محاربة الارهاب من جهة، ومحاربة مشاریع الهیمنة الامیرکیة من جهة أخرى.
المصدر: http://slabnews.com