یوم الأحد الماضی، عاشت منطقة البقاع الشمالی تجربة مکررة من غزوة عرسال. فی الثانی من آب الماضی، نجح مسلحو «جبهة النصرة» وحلفاؤها فی احتلال البلدة. یوم أول من أمس، صدّهم حزب الله وأفشل هجومهم. لماذا هاجموا؟ وما هی الخطوة التالیة؟
رامح حمیة
ماذا جرى فی جرود بریتال یوم الأحد الماضی؟
خلال الأسابیع الماضیة، حاول المسلحون الذین یحتلون جرود عرسال وجرود بعض القرى والبلدات السوریة، إحداث خرق باتجاه منطقة القلمون السوریة. رکزوا هجماتهم على بلدة عسال الورد، انطلاقاً من جرودها المتصلة بجرود عرسال. لم یفلحوا فی خرق تحصینات الجیش السوری وحزب الله.
تقول مصادر میدانیة إن المسلحین، على أبواب الشتاء، یریدون السیطرة على بلدة سوریة یتحصنون فیها بانتظار مدد ما یعتقدون أنه سیمکّنهم من استعادة السیطرة على کامل منطقة القلمون فی الربیع المقبل. سبق هذه الهجمات احتلالهم مطلع آب الماضی لبلدة عرسال. سریعاً، اکتشف المسلحون خطأهم. «جبهة النصرة» عبّرت عن ذلک علناً فی بیان قالت فیه إن عرسال هی الشریان الحیوی لمسلحی القلمون، ولا یجوز قطع هذا الشریان. ما عاد بإمکانهم تکرار التجربة. سُدّت أمامهم السبل إلى بلدات القلمون بقوة أعدائهم، والسبل إلى عرسال بقرار ذاتی منهم مبنی على خشیتهم من خسارة «البیئة الحاضنة» ومن حصار الجیش اللبنانی للبلدة.
لم یبق أمامهم سوى جرود الزبدانی السوریة. قبل نحو 3 أشهر، قطع الجیش السوری وحزب الله الطرق بین جرود عرسال وعسال الورد من جهة، والزبدانی من جهة ثانیة، من خلال سیطرته، مع حزب الله، على جرود بلدة الطفیل اللبنانیة وطرد مسلحی جبهة النصرة وحلفائها منها. لم یعد للمسلحین الذین یحتلون الجرود (من عرسال إلى عسال الورد) أی سبیل للتواصل مع زملائهم فی الزبدانی ومحیطها. ما فعلوه فی معرکة الأحد الماضی (أول من أمس) لم یکن سوى محاولة للسیطرة على مواقع لحزب الله تشرف على الطرق المقطوعة. بکلام آخر، أراد مسلحو جبهة النصرة إعادة فتح الطریق بین جرود عسال الورد (ومن خلفها جرود عرسال)، وبین جرود الزبدانی. ولتحقیق هذا الهدف، وجب علیهم احتلال مواقع لحزب الله داخل الأراضی اللبنانیة.
الهجوم کان واسعاً ومتقناً. وبحسب مصادر میدانیة، کانت کثافة نیران المسلحین عالیة. استخدموا أسلحة رشاشة ثقیلة (23 ملم) وصواریخ موجهة (کونکورس) لمهاجمة مواقع حزب الله فی جرود بلدتی نحلة وبریتال. تعمدوا إلهاء نقاط رئیسیة للمقاومة فی الجرود، لیهاجموا موقع عین ساعة ویسیطروا علیه. تمکنوا من ذلک. سریعاً استجمعت قوات حزب الله المنتشرة فی الجرود قواها، وصدّت الهجوم. الخشیة فی هذه الحالة، بحسب مصادر میدانیة، لیست من سیطرة المسلحین على موقع یمکن استرجاعه، بل من رغبتهم فی التوغل داخل الأراضی اللبنانیة فی حال تمکنهم من إحداث خرق فی الصفوف الدفاعیة.
احتوت المقاومة الموقف، وشنّ مقاتلوها هجمات مضادة، أدت إلى استعادة الموقع، وإعادة الأمور فی المنطقة إلى ما کانت علیه سابقاً: مواقع المقاومة على حالها، والمسلحون انسحبوا إلى جرود عسال الورد وعرسال. مصادر مسلحی الجرود تشیر إلى أنهم لن یکفوا عن مهاجمة هذه المواقع. یرون فی ما یقومون به استنزافاً لحزب الله فی أرضه. أما الحزب الذی لا یستخف بقدرة خصومه، فلن یقبل بالرضوخ لأی معادلة یقررها محتلو الجرود، بحسب مقربین منه. یراجع قادته ما جرى لاستخلاص العبر، وسد أی ثغرة میدانیة، وکسر المعادلات التی یرید إرهابیو الجرود إرساءها. تضیف المصادر: «من اتخذ قرار تحطیم إمارَتی القصیر والقلمون بسبب تهدیدهما الاستراتیجی للبنان، لن یسمح بالعودة إلى الوراء».
مصادر الطرفین تتحدّث عن مبالغات بالأرقام ظهرت فی وسائل الإعلام بعد ظهر الأحد وطوال یوم أمس. المسلحون الذین شارکوا فی الهجوم، کما الذین صدّوه، لا یُعدون بالمئات. یعلق غیر مصدر میدانی بالقول: «إن هجوم 50 مقاتلاً على موقع ما یعنی هجوماً کبیراً. الإعلامیون کما الرأی العام یستخفون بهذه الأرقام».
وشمل الهجوم، بحسب مصادر مطلعة نقاطاً عدة فی السلسلة الشرقیة بأکملها، فی جرود نحلة ـ یونین ـ عرسال، وفی منطقة «الخشع» فی جرود مدینة بعلبک، وفی أعالی جرود بریتال وأطراف عسال الورد السوریة، فی محلة «أم خرج»، و»عین ساعة» المحاذیة لمحلة «رأس الحرف» والمؤدیة إلى بلدة طفیل. وکشفت المصادر أن المجموعات المسلحة تسللت عبر الجرود وتوزعت انطلاقاً من جرود بلدة عرسال، باتجاه الأراضی السوریة، ومنها إلى جرود عسال الورد، ثم باتجاه مواقع المقاومة.
وعلمت «الأخبار» أن المواجهات التی حصلت بین عناصر حزب الله والمجموعات المسلحة المهاجمة فی کافة النقاط التی تعرضت للهجوم فی جرود نحلة وبعلبک وبریتال، أدت إلى سقوط 10 شهداء للحزب، غالبیتهم من قرى بعلبک، فیما سقط عشرات المسلحین قتلى وجرحى، من بینهم قائد إحدى مجموعات «جبهة النصرة» المدعو محمد خالد حمزة الملقب «بأبو صهیب»، الذی نقلت جثته إلى المستشفى المیدانی فی عرسال، بالإضافة إلى نقل عدد من جرحى الهجوم ووفاة بعضهم متأثرین بالجراح التی أصیبوا بها.
مجموعات مسلحة حاولت لیل الأحد ـ الاثنین التسلل إلى محلة النعمات فی جرود القاع، إلا أن الجیش السوری تمکن من صد محاولتهم وإفشالها، ودفعهم إلى التراجع باتجاه جرود عرسال.
«جبهة النصرة» من جهتها نشرت على حساب «مراسل القلمون» على موقع «تویتر» فیدیو بعنوان «غزوة الثأر لإخواننا اللاجئین الذین أحرقت خیمهم فی عرسال»، مدته ستة دقائق، تضمن مشاهد من عملیة لمسلحین یدخلون أحد المواقع قالوا إنها تعود لحزب الله.
وعصر یوم أمس شیعت قرى إیعات وبریتال ومدینة بعلبک عدداً من الشهداء الذین سقطوا فی مواجهات یوم أول من أمس، على أن یشیع البقیة الیوم فی قراهم.