19 November 2024

معارک القلمون: لا عودة إلى الوراء

یُکثر قادة المعارضة السوریة المسلحة فی جرود القلمون من الحدیث عن انتصارات یحققونها فی المنطقة، ویعدون بالمزید مستقبلا. فی المقابل، یتهمهم اعداؤهم بافتعال ضجیج إعلامی لا سند میدانیاً له. یجزم حزب الله والجیش السوری أن هذه المنطقة استراتیجیة، ولا مجال فیها للعودة إلى الوراء.
رمز الخبر: ۶۰۵۰۳
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۱:۴۷ - 10October 2014

معارک القلمون: لا عودة إلى الوراء


حسن علیق
منذ بدایة الصیف الماضی، نجح مقاتلو الحزب والجیش السوری فی صدّ أکثر من ست هجمات کبرى فی اتجاه الأراضی اللبنانیة أو داخل الأراضی السوریة، سواء فی ریف القصیر أو فی القلمون. معرکة جرود بریتال، الاحد الماضی، وما تلاها هی السادسة. على «المقلب» السوری من الجبهة، کانت قیادة «جبهة النصرة» ترکز على بلدة عسّال الورد. هی أقرب من سائر البلدات القلمونیة إلى الحدود اللبنانیة (تقابلها بلدة طفیل)، کما أن جرودها وجرود طفیل تتصل بجرود سرغایا والزبدانی. ولهذا السبب، رکّز المسلحون هجماتهم علیها بمعدل هجمة کل أسبوع (بعضها کان محدوداً للغایة).

وفی الهجمات الست الکبرى، کما فی المعارک المحدودة، فشل مسلحو المعارضة، بقیادة «داعش» و«جبهة النصرة»، فی تحقیق خرق یمکّنهم من استعادة «مجدهم الضائع» فی القلمون.مرة واحدة فقط حققوا خرقاً استناداً إلى «خلایا نائمة»، وتوغلوا فی الجرود فی اتجاه تلفیتا، لکن سرعان ما تمت محاصرة الخرق ومنع المسلحین من تحقیق ما یصبون إلیه.
معرکة بعد أخرى، صار مقاتلو الحزب وجنود الجیش السوری أکثر معرفة بالذین یواجهونهم. لا تستخفّ المقاومة بقدرات خصومها، لکنها ترفض الانجرار إلى لعبتهم الإعلامیة. «المعرکة شرسة»، یقرّ قادة میدانیون، «وندفع ثمناً کبیراً فی الجرود، لکنه یبقى أقل بما لا یُقاس مما کان اللبنانیون عموماً والبقاعیون خصوصاً سیقاسونه فیما لو بقی المسلحون یسیطرون على ریف حمص الجنوبی (منطقة القصیر) وریف دمشق الشمالی (القلمون)». تجزم مصادر سوریة، وأخرى قریبة من حزب الله، بأن مسلحی المعارضة یخوضون «معرکة لا طائل منها. وحتى لو أحدثوا خرقاً ما فی مکان ما، فإنهم لن یتمکنوا من الحفاظ علیه. وإذا توهموا أن الشتاء یقیهم هجماتنا، فلیتذکروا أن تحریر القلمون بدأ فی شباط الماضی».
الأهم، فی نظر معنیین بسیر المعارک فی الجرود، أن المسلحین یخسرون فی کل معرکة مقاتلین من «نخبتهم». فهجمات کهذه لا ینفذها مقاتلون عادیون، ممن یحملون السلاح ولا یتقنون فنون الحرب ولا یملکون شجاعة الاقتحام. وفی کل معرکة، تخسر «جبهة النصرة» و«داعش» وباقی الفصائل عدداً إضافیاً من المقاتلین المتمرسین. صحیح أن المدد بالمقاتلین لم یتوقف، وخاصة عبر عرسال، رغم ما قام به الجیش اللبنانی، «لکن الجدد لیسوا بنفس خبرة من قضوا». ویلفت معنیون بالقتال فی الجرود إلى أن حزب الله لم یکن لیشن هجوماً على الجرود، لأن معرکة من دون عزل تام لعرسال ستبقى بلا جدوى. لکن المقاتلین المعارضین «وفّروا علیه خوض معرکة هجومیة. وبدلاً من انتظارهم له لاستنزافه فی المرتفعات والودیان التی یسیطرون علیها، نزلوا من الجرود، وبدأوا یهاجمون مواقع الحزب والجیش السوری، على طرفی الحدود». وفی معظم الهجمات، تمکن المدافعون من صدّ الهجمات من دون أی خسائر. لکن فی بعضها، دُفع ثمن باهظ، لمنع المسلحین من التقدم وتحویل المنطقة إلى منصة للهجوم على الأراضی اللبنانیة.
وتلفت مصادر قریبة من الحزب إلى أن مسلحی القلمون یکرّرون ما قام به زملاؤهم فی الغوطة الشرقیة (ریف دمشق الشرقی). فی الغوطة، شنّ هؤلاء هجمات متتالیة بهدف کسر الطوق المفروض علیهم. «موجات بشریة» متتالیة، کبّد بعضها قوات الجیش السوری وحلفاءه خسائر کبیرة فی الأرواح، لکنها «کسرت ظهر المسلحین»، على حدّ قول مصادر عسکریة سوریة. کان آخر تلک الهجمات فی تشرین الثانی 2013. حقق المسلحون تقدّماً کاد یؤدی إلى رفع الحصار عن الغوطة. لکن الجیش السوری وحزب الله تمکنا من السیطرة على الوضع، وإنزال خسائر بالمهاجمین بلغت المئات بین قتیل وجریح. احتل المعارضون بعدها عدرا العمالیة، إلا أنهم، منذ ذلک الحین، عجزوا عن شن هجمات واسعة. یحققون خرقاً فی جبهة ما، لکن من دون تغییر ذی قیمة عسکریة کبرى فی الواقع المیدانی.
تسأل مصادر قریبة من الحزب: «هذا الضجیج الإعلامی الذی اخترعه المسلحون خلال الأیام والأسابیع الماضیة، هل یعکس تغییرات على الأرض فی القلمون؟». تجیب: «خارطة توزّع القوى لم تتغیر على الأرض. التغییر الوحید کان لمصلحتنا من خلال السیطرة على تلال لتحصین المواقع داخل الأراضی اللبنانیة». وتلفت المصادر إلى أن المسلحین «یستمیتون» لاستعادة السیطرة على أکثر من بلدة قبل حلول فصل الشتاء. فهم یرون أن بقاءهم فی العراء وفی المعسکرات الجردیة سیضعفهم. وهم وصلوا إلى مرحلة صعبة. لدیهم الکثیر من السلاح، لکن فی أحد المواقع التی سیطروا علیها، فضّلوا أخذ الطعام خلال انسحابهم على حمل الذخائر والأسلحة. وعمّا إذا کان الضجیج الإعلامی الذی افتعلوه یعکس اقترابهم من تحقیق هدف السیطرة على القرى؟، تجیب جازمة بالنفی.
وماذا بعد هذه الجولات؟ الجیش السوری وحزب الله یعدّان العدة «لاستقبال المسلحین»: «نعلم أنهم سیستشرسون. وسینفذون عملیات هی أقرب إلى الانتحار. وربما سیقومون بأمور داخل لبنان تجتذب الاهتمام الإعلامی والسیاسی. لکن، هجوم بعد آخر، سیفقدون المزید من المقاتلین المتمرسین. لن یقدروا على العودة إلى ما قبل بدء تحریر القلمون فی شباط الماضی. وکلما شنّوا هجمة سیصبحون أکثر عجزاً عن التقدم. والحزب والجیش السوری لن یقفا مکتوفی الأیدی، بل سیفعّلان عملیاتهما الخاصة والأمنیة». تختصر مصادر قریبة من حزب الله توجه قیادة المقاومة تجاه ما یدور فی القلمون بالقول: «لقرار المشارکة فی القتال فی سوریا دوافع عدة، من أهمها منع «جبهة النصرة» و«داعش» وحلفائهما من السیطرة على المناطق السوریة الملاصقة للحدود مع البقاع. وهذا خط أحمر ممنوع تجاوزه».

المصدر: جریدة الأخبار

رایکم
الأکثر قراءة
احدث الاخبار