23 June 2025

الدنمارک: «أسعد جهادیی العالم» بین الضغوط والتشکیک

فی الدول الأوروبیة الکثیرة المصابة بمرض "الجهادیین"، یبحث الکل عن نماذج العلاج المتوفرة. ولکن کیف یمکن أن یعامَل هؤلاء "الجهادیون" إذا جاؤوا من البلد الأوروبی المعروف بأن مواطنیه هم "الأسعد" فی العالم؟
رمز الخبر: ۶۰۶۰۸
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۸:۵۰ - 15October 2014

الدنمارک: «أسعد جهادیی العالم» بین الضغوط والتشکیک

وسیم ابراهیم

فی الدول الأوروبیة الکثیرة المصابة بمرض "الجهادیین"، یبحث الکل عن نماذج العلاج المتوفرة. ولکن کیف یمکن أن یعامَل هؤلاء "الجهادیون" إذا جاؤوا من البلد الأوروبی المعروف بأن مواطنیه هم "الأسعد" فی العالم؟
تغرّد تجربة الدنمارک فی الواقع خارج سرب التشدد الأوروبی، فبدلاً من التجریم والتهدید بإسقاط الجنسیة، أو الحجر وسحب جوازات السفر، یقال للجهادی التائب هناک "تفضّل لنشرب فنجان قهوة، ونرى کیف یمکننا إصلاح ما حصل؟".
هذه فحوى برنامج لإعادة التأهیل والمساعدة، تواصل تطبیقه ثانی أکبر مدن الدنمارک، آرهاوس. سافر من المدینة ما یقارب 35 شاباً إلى سوریا، من أصل حوالی مئة "جهادی" دنمارکی، کما تقدر السلطات. هناک من عاد منهم، کما قتل خمسة من شبان المدینة خلال المعارک.
ولمواجهة هذا التهدید، اختارت الشرطة المحلیة فی آرهاوس فلسفة مغایرة، إذ أقامت حملة ترویج لبرنامج مساعدة متنوعة تحت عنوان "هناک طریق آخر للخروج من دوامة الجهاد والتطرف"، وصارت توفر العلاج للمصابین العائدین، سواء الجسدی للجرحى، أو النفسی لمن یعانون من الصدمة. وقدمت برامجُ التأهیل لـ"الجهادیین" العائدین العون للاندماج مجدداً فی المجتمع، سواء عبر المساعدة فی إیجاد عمل لمحتاجیه، أو تمهید الطریق لبعضهم کی یستکملوا دراستهم.
واهتم الإعلام الأوروبی برصد النموذج الدنمارکی البدیل. ومنه إعلام بلجیکا، التی تعدّ الدولة الأولى أوروبیاً المعرضة لمشکلة الجهادیین نسبة إلى عدد سکانها، فیما تأتی الدنمارک ثانیة وفقاً لهذا المعیار.
وشرح منسق مشروع آرهوس، آلن أرسلیف، لصحیفة "ستاندارد" البلجیکیة أن السلطات "تنطلق من الحرص على أمن المدینة"، موضحاً ان "الکثیرین یتساءلون لماذا نرید مساعدة هؤلاء بدلاً من عقابهم بشدة... لکننا لسنا الاستخبارات السریة، فأولویتنا فقط منع وقوع حوادث هنا فی مدینتنا".
کانت الخطوة الحاسمة بالنسبة إلى مسؤولی البرنامج فی المدینة الدنمارکیة هی کسب ثقة المجتمع المحلی المعنی بالمشکلة. رکزوا على العمل بشفافیة، والتأکید أن الهدف هو المساعدة من دون "أجندات مخفیة"، مثل تصیّد المعلومات من العائدین لمصلحة الاستخبارات. وهذا ما جعل جهود البرنامج تصل إلى نهایات سعیدة، کما یقول منسق المشروع: "فی مرات کثیرة، یتصل بنا أهل الشباب لیقولوا إن (حسن) عاد، فندعوه لیأتی إلینا ویشرب القهوة بضیافتنا" (اللافت هی الوصمة التی تزداد شیوعاً، مع استخدام الأسماء العربیة کرمز لـ "فلان" من "الجهادیین").
على کل حال، وبعد شرب القهوة، تقدم الشرطة مخططاً لمن یرید التوبة کی یصلح حیاته، وتقوم ببناء خطواته فرق من الخبراء المؤهلین.
وسطع نجم البرنامج خصوصاً، بعدما نجح فی إعادة خمسة "جهادیین" إلى مقاعد الدراسة.
لکن برنامج "الجهادی السعید" بات مهدداً من جهات عدّة. هناک أولاً الرفض الشدید له من قبل المعارضة الصاعدة، ما یضع عبئاً کبیراً على تحالف الاشتراکیین الحاکم قبل الانتخابات النیابیة العام المقبل.
ویقود هذه المعارضة "حزب الشعب" الذی أحدث صدمة حین حلَّ أول فی الانتخابات الأوروبیة، فی ربیع العام الحالی. الحزب یوصف بأنه یمینی متطرف، لکنه یقدم نفسه على أنه من "المحافظین الإصلاحیین". ویرفض الحزب برنامج المساعدة من أساسه، ویصر على أن لا مکان أمام "الجهادیین" سوى ما تقرره المحاکم.
حین سألت "السفیر" النائب عن "حزب الشعب" فی البرلمان الأوروبی أندرس بریمدل فیشتیشن عن مبرراتهم، فضّل الحدیث بالمختصر المفید قائلاً إنه "إذا قاتلت فی سوریا، فأنت تتخلى عن کونک مواطناً دنمارکیاً، ولذلک فنحن نرى أن البرنامج لا حاجة له".
ویأتی جانب آخر من الضغوط التی یتعرض لها برنامج "الجهادی السعید" من الدول الأخرى المعنیة بالمشکلة. وتتسابق بریطانیا وفرنسا وهولندا على من منها سیجعل حیاة "الجهادیین" الأکثر تعاسة. فبریطانیا من جهتها، باشرت سلفاً بإسقاط الجنسیة عن مواطنیها الذین قاتلوا فی سوریا. أما فرنسا، فأقرت فرض الحجر على من تشتبه فی أنه "جهادی" محتمل، عبر تجریده من جواز سفره. وتسیر بلجیکا على طریق التشدد ذاته، فیما حکومتها الجدیدة تدرس إسقاط الجنسیة عن "الجهادیین" الذین یحملون جنسیتین، ومنع من یحملون الجنسیة البلجیکیة من دخول البلاد مجدداً.
وجاءت الضغوط الأخرى من تزاید التهدید "الإرهابی" بعد إرسال العاصمة الدنمارکیة کوبنهاغن مقاتلاتها الجویة للمشارکة فی التحالف الدولی للحرب ضد تنظیم "الدولة الإسلامیة فی العراق والشام"- "داعش". العبء الکبیر الذی فرضه ذلک بدا واضحاً على وزیرة العدل الدنمارکیة کارین هیکیبر. کانت تناقش القضیة مع نظرائها الأوروبیین قبل أیام، فسألتها "السفیر" عن واقع التهدید بعد المشارکة فی التحالف. ترددت قلیلاً، قبل أن تقول "إنها مسألة کبیرة جداً علیّ لکی أقدم جواباً عنها"، موضحة أن "هناک أولاً ما نقوم به فی العراق، وکیف ألزمنا أنفسنا فی هذا التحالف، وثانیاً کیف ندافع عن أنفسنا من التهدیدات التی یشکلها هؤلاء الإرهابیون المحتملون".
وتزید أوساط "الجهادیین" بحد ذاتها مأزق حکومة الدنمارک فی دفاعها عن برنامج شرطة آرهوس، بالرغم من أن السلطات فی المدینة أکدت أن أی شخص میؤوس من عودته عن التطرف سیتم تسلیمه مباشرة إلى أجهزة الاستخبارات. وانتشرت على نطاق واسع تسجیلات فیدیو من "جهادیین" دنمارکیین یتوعدون بالانتقام بعد انخراط بلدهم فی التحالف الدولی، کما انتشر فیدیو آخر لبعضهم وهم یطلقون النار على صور سیاسیین بارزین.
کل هذا جعل سیاسیی الحزب "الاشتراکی الدیموقراطی" الحاکم فی موقف صعب. یقول النائب عن الحزب فی البرلمان الأوروبی، یابی کوفود لـ"السفیر" إن "الأولویة تبقى للقانون الذی یمنع السفر للقتال فی الصراعات، ولذلک ستطبق الملاحقة القضائیة إلى أقصى حد بحق من ینتهج ذلک". لکنه من جهة أخرى، یثنی على نجاح برنامج آرهوس فی "إعادة إدماج من تم نزع تطرفهم"، قائلاً "لهذا السبب لا یمکننی إلا دعمه".
وفی مقابل الإشادة التی ینالها برنامج "الجهادی السعید" فی آرهوس، ثمة حیثیات تشکک بفعالیته. وتأتی المؤشرات من جامع "غریمهوی" الشهیر فی وسط آرهوس، والمعروف بأنه "غیتو (معزل) إسلامی"، فقد ابلغت الشرطة الدنمارکیة الأهالی بأنّ ذهاب أبنائهم إلى هذا المسجد یجعلهم هدفاً لمجندی المقاتلین إلى سوریا، بدلیل أن غالبیة من سافروا للقتال کانوا یترددون علیه.
لکنّ إدارة الجامع تنفی هذه التهم، فیما یشید إمام الجامع أسامة السعدی (من أصل لبنانی ـ فلسطینی) ببرنامج الشرطة، لکنه یشکک بصورة "الرعب" الذی یمثلها "داعش"، لأن لا أدلة تثبتها برأیه.
الشکوک یولدها أیضاً بعض من عالجهم البرنامج، فهناک شاب یدعى حذیفة ( 19 عاماً)، عاد إلى الدنمارک بعدما قاتل مع حرکة "أحرار الشام"، والبرنامج أعاده إلى مقاعد دراسة الهندسة. ما دفع هذا الشاب للعودة لیس التخلی عن العقیدة "الجهادیة"، بل نشوب القتال الداخلی بین کتائب المعارضة کما یؤکد: "ذهبت لمساعدة إخواننا السنة... ولیس من أجل أن نقتل بعضنا".
یجری تقدیم هذا الشاب، وهو من أصول بوسنیة ترکیة، على أنه "منزوع التطرف"، کنموذج لنجاح برنامج المساعدة. ولکن، لمعرفة مدى النجاح، یمکن الاستماع إلیه قائلاً "لم أتأثر بمنظر الجثث والضحایا. إنها حرب ولا تتوقع هناک رؤیة الزهور. وبما أنهم من جنود الأسد ومن الشیعة، فلم أکن أتأسف علیهم".

المصدر: جریدة السفیر

الكلمات الرئيسة: دنمارک ، المقاتلین الأوروبیین
رایکم
الأکثر قراءة
احدث الاخبار