تم التحدیث فی: 18 November 2023 - 09:22

فتحی الشقاقی: المجاهد العصامی - عبد الستار قاسم

لقد کُتب کثیرًا عن حیاة الشهید الشقاقی، وهنا أحاول إبراز نقاط هامة فی سیرة حیاته الجهادیة والتی تجسدت فی حرکة جهادیة ریادیة لها دورها المؤثر والقوی فی الساحة الجهادیة الفلسطینیة، والذی کان بارزا فی عدوان إسرائیل على غزة العام 2014. وتلک النقاط أوجزها کالآتی:
رمز الخبر: ۶۰۸۷۳
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۵:۵۹ - 26October 2014

فتحی الشقاقی: المجاهد العصامی - عبد الستار قاسم

 لقد کُتب کثیرًا عن حیاة الشهید الشقاقی، وهنا أحاول إبراز نقاط هامة فی سیرة حیاته الجهادیة والتی تجسدت فی حرکة جهادیة ریادیة لها دورها المؤثر والقوی فی الساحة الجهادیة الفلسطینیة، والذی کان بارزا فی عدوان إسرائیل على غزة العام 2014. وتلک النقاط أوجزها کالآتی:

أولًا، الخلفیة الریاضیة:
إذ إنه درس الریاضیات فی الجامعة ودرّسها فی المدارس، وهذا یدل على قوة المنطق التی کان یتمیز بها الشهید. الریاضیات منطق بالرموز، والتمیز بها یشیر إلى قدرة الشخص على فهم الافتراضات الأساسیة وعلى القدرة على الاشتقاق المنطقی المتسلسل، وعلى فهمه العمیق للنتائج التی تترتب على المقدمات. حرص الفلاسفة القدامى على التعمق فی الریاضیات لإدراکهم أنها الطریق نحو الرقی فی المنطق، والقدرة على ربط العلاقات الجدلیة، والتوصل إلى الاستنتاجات الصحیحة. وبعضهم کان یرى أنه لا یجوز لشخص لا یعرف المنطق والریاضیات أن یتبوأ مرکزًا قیادیًا بسبب الشکوک حول قدرته على فهم التسلسل المنطقی والاشتقاق. فلا غرابة أن الشهید الشقاقی تمیز عن العدید من القادة السیاسیین والجهادیین الفلسطینیین فی تفکیره وفی مقارباته للهموم الفلسطینیة، إذ اتجه نحو الحلول العلمیة والمنطقیة بعیدًا عن الفهلوة والارتجالیة.
فضلًا على ذلک، کان الشهید قارئا جیدا، لم یترک الکتاب، وحرص على توسیع مدارکه المعرفیة فی مختلف مجالات الحیاة، وإذا کان لنا أن نقارن مع بعض القیادات الفلسطینیة، هناک قیادات بقیت علاقاتها متوترة مع الکتب، فبقیت قدراتها على معالجة القضایا الفلسطینیة محدودة ومهزوزة.

ثانیًا، عصامیة التنظیم:
لم یعتمد الشهید الشقاقی على أموال دول أو أجهزة مخابرات، عندما بدأ وزملاءه النشاط لبناء حرکة الجهاد الإسلامی. أغلب الفصائل الفلسطینیة وجدت دولًا تحتضنها، وخزائن تمولها، واستطاعت بالمال أن تشق طریقها... بفشل! لکن حرکة الجهاد الإسلامی نهضت بسواعد أبنائها وأموالهم. لا یعنی أن حرکة الجهاد ترفض المساعدات المالیة من الجمیع، لکن الشهید رأى أن تکون حرکة الجهاد الإسلامی ولیدة نفسها وسیدة نفسها حتى لا تکون لعبة بید هذه الدولة أو تلک. هناک من یتهم حرکة الجهاد الإسلامی بأنها ألعوبة بید إیران، لأنها قدمت الدعم المالی للجهاد. هذا اتهام مردود، لأن حرکة الجهاد لا تتلقى أموالا مشروطة، فضلا على أن إیران تقدم الدعم المالی لرواد الخنادق ولیس لرواد الفنادق. اختط الشهید طریق الاستقلال قناعة منه بأن غیر المستقل ذاتیا لا یمکن أن یحقق استقلالا لشعب. تبنى الشهید فکرة الید العلیا حتى لا تکون حرکة الجهاد مطیة لأحد حتى لو کان فلسطینیا. ولذا نقول إن الشهید کان مجاهدا عصامیا، بمعنى أنه اعتمد القدرات الذاتیة وفکرة الاستقلال فی البناء التنظیمی والنشاط الجهادی.

ثالثًا، مرکزیة القضیة الفلسطینیة:
عد الشهید الشقاقی فلسطین القضیة المرکزیة على المستویین العالمی والإقلیمی، وأن کل الجهود یجب أن یتم توجیهها نحو تحریر فلسطین. کان یرى أن على العرب والمسلمین أن یترکوا القضایا الثانویة خلفهم، وألا تلهیهم الصراعات الداخلیة والمصالح القُطریة عن القضیة الفلسطینیة. رأى أن التعلیم یجب أن یوجه فی الساحة العربیة نحو تحریر فلسطین من أجل رفع الوعی بالقضیة الفلسطینیة والمقدسات الإسلامیة، ومن المطلوب أیضا النشاط على الساحة الإسلامیة من أجل استجماع القوى الإسلامیة المختلفة لرفد القضیة الفلسطینیة والمجاهدین الفلسطینیین.
وقد کان الشهید واضحا فی تصنیفه للقضیة الفلسطینیة بأنها قضیة عربیة إسلامیة، وسعى دائما إلى توظیف الجهود العربیة والإسلامیة لمواجهة إسرائیل.  وربما کانت هذه القناعة امتدادا لرؤیته الناصریة فی شبابه، ولفکرة عبد الناصر بأن القضیة الفلسطینیة قضیة العرب أجمعین. من المعروف أن الشهید أدار ظهره للناصریة بعد هزیمة العام 1967، وأخذ البعد الإسلامی یطغى على فکره والتحق بجماعة الإخوان المسلمین، وأصبح من المعجبین بکتابات سید قطب بخاصة کتاب معالم فی الطریق. ولکنه عاد وأدار ظهره للتوجه الإخوانی بسبب عدم مرکزیة فلسطین فیه.

رابعًا، الفکر الإسلامی الجهادی:
 تبنى الشهید الفکر الإسلامی ورأى فی الإسلام دینا موحدا للناس جمیعا على الأرض العربیة، لأنه دین تسامح ومحبة وعلم وعمل وجهاد. رأى فی الإسلام دین الراحة والوئام والاطمئنان، دین الثقة المتبادلة والعمل الجماعی والتعاون المتبادل، ودین الانفتاح والتقدم العلمی والنهوض فی مختلف مجالات الحیاة. مقت الشهید التعصب، ورأى أن الفکرة الإسلامیة تنتشر بالقدوة والعمل الصالح، لا بالتنفیر والعصبویة ورفض الآخرین. ولهذا یعد الشقاقی من رجال الدین المفکرین والمنطقیین المؤمنین الذین حرصوا على صورة الإسلام الناصعة الحریصة على إقامة العدل بین الناس. شتان بین الشهید الشقاقی وبین قادة العدید من الحرکات الإسلامیة  الذین شوهوا الدین الإسلامی بأعمالهم الإجرامیة وفتاواهم التعصبیة التی لا تولد إلا الکراهیة للإسلام والمسلمین.

خامسًا، تکامل العروبة والإسلام:
لم یجد الشهید تضاربا بین العروبة والإسلام، الإسلام لا یمنع العروبی من أن یکون مسلما، ولا یمنع المسلم من أن یکون عربیا. لم یأت الإسلام لیحارب القومیات، وإنما لمحاربة العصبیات. التعصب مرفوض عند الشهید الشقاقی، والتحوصل حول الذات والانعزال عن العالم غیر مجدٍ، ویلحق الضرر بمن یمارسونه. ولهذا لم یوظف الجهاد الإسلامی جهدا لمحاربة العروبیین، وبقی یصر دائما على ضرورة توظیف کل الجهود من أجل تحریر فلسطین.

سادسًا، نبذ الخلافات الداخلیة:
امتنع الشقاقی ورفاقه عن المساهمة فی المشاکل الداخلیة الفلسطینیة، إذ لم یر الشهید أن حرکة الجهاد فی منافسة داخلیة مع أی فصیل فلسطینی، ورأى أن على کل الفصائل الفلسطینیة أن تتوحد فی مواجهة إسرائیل. رفضت حرکة الجهاد الانحیاز لصالح طرف فلسطینی ضد آخر، ورأت أن الخلافات الفلسطینیة الداخلیة تهدر الطاقات والجهود وتخدم فی النهایة العدو الصهیونی. لقد بقیت حرکة الجهاد الإسلامی بعیدة عن الصراعات الداخلیة الفلسطینیة والعربیة، وبقیت تصوب جهودها وفق البوصلة الحقیقیة وهی بوصلة تحریر فلسطین.
مع کل هذا، وجدت حرکة الجهاد الإسلامی صعوبة کبیرة فی نقل جثمان الشهید من مالطا إلى الوطن العربی. رفضت أغلب الأنظمة العربیة استقبال الجثمان على أرضها، ومنها من رفض مرور الجثمان من أرضها. بعد عناء شدید وافقت تونس على مرور الجثمان من أرضها ونقله إلى دمشق لیوارى الثرى فی مدافن الشهداء فی مخیم الیرموک. الأنظمة العربیة باعت نفسها للصهیونیة بینما خرج ثلاثة ملایین مشیع فی جنازة الشهید من أبناء العرب.
رحم الله الشهید وأسکنه فسیح جنانه.

المصدر: وکالة الصحافة الفلسطینیة
رایکم
الأکثر قراءة