19 November 2024

رائحة القصعین /6

... فقلت : -یبدو أنها قد أغارت على إقلیم التفاح. -لعلها کذلک. الصهاینة الخبثاء إذا رأوا أحدًا من الإخوة یرسلون الطائرات وتصل بدقائق وتلقی بالصواریخ الضخمة.
رمز الخبر: ۶۱۰۳۶
تأريخ النشر: ۲ ربیع الثانی -۶۴۱ - ۱۳:۳۰ - 01November 2014

رائحة القصعین /6

... فقلت :
-یبدو أنها قد أغارت على إقلیم التفاح.
-لعلها کذلک. الصهاینة الخبثاء إذا رأوا أحدًا من الإخوة یرسلون الطائرات وتصل بدقائق وتلقی بالصواریخ الضخمة.
-إننا نرجوا النصر من الله.
سألنی أبو صالح : هل تتصور أن إسرائیل سوف تنسحب من الجنوب؟ لا أدری. إننی لا أرى ذلک ممکنًا فی الوقت القریب.
-إنها حرب الصبر والنفس الطویل. قال مطرقًا.
ونحن نتحادث رأینا سیارة حمراء اللون توقفت قریبًا من المنزل، أخذ أبو صالح المنظار على عجل، وراح یراقبها.
نزل منها شاب عشرینی وفتاة، سارا باتجاه بیت العمیل.
فقلت :
-لعلهما من أقربائه.
-دعنا نتأکد.
ولما غابا بین الأشجار المحیطة بالمنزل، ظننا أنهما قد دخلا إلیه.
-ربما هما زائران.
-لم یدخلا المنزل، لقد أکملا السیر وولجا منزلًا یقع إلى الخلف.

کان المغیب قد حط أوزاره على التلال والودیان الهامدة، وغطت القریة المقابلة فی سکون عمیق. خلت الشوارع من المارة والسیارات، وأنارت الأضواء المتعبة تحت وطأة الضباب الخریفی شوارعها الضیقة. وقبض الظلام على أنسام الریح المنسلة بین أشجار البلوط، التی راحت تشرب رطوبة المساء. ولف الصمت إزاره الشفیف على تلتنا. وشرع "زیز" اللیل فی أغنیته المعتادة. أما الجبال النائیة، فقد جعلها الظلام والضباب اللیلی الشفیف، تبدو کأنها حلم خیالی.
 أدینا صلاة المغرب والعشاء، وکعادتی کل مساء، استلقیت على ظهری بین الأعشاب والأشواک، ورحت أتأمل النجوم التی تراءت کالهجس وانسیاب سحب أیلول البطیئة، مستسلمًا لتنهدات الحفیف. تناولت بعض الشوکولاتة والفستق. کان قد خیم الظلام ولم نعد نرى ما حولنا، إلا الشجیرات القریبة، ورؤوس تلک التی إلى الأسفل منا، وقد التمعت بعض أوراقها تحت نور القریة. حاولت الإغفاء إلا أن الخواطر القلقة ما فتئت تراودنی. ربما لن نعود من هذه الدوریة.کلا، إننا نأخذ احتیاطاتنا بشکل جید. سنعود ومعنا معلومات قیمة ومفیدة. ثم سرى بی الخیال بعیدًا بین المخاوف والأوهام، هل سیستسلم العرب ویتفقون مع عدوهم على إحباط مقاومة الشعب؟ ویأتی الیهود إلى بلادنا یمرحون ویسرحون ویسوحون ویتسوقون؟ لن نتوقف عن القتال. سنصطادهم فی الأزقة والشوارع، وسننتقم لحیدر وماجد وفؤاد وزهیر وکل الشهداء.مع تقلب أفکاری غفوت، إلا أن الأنسام الباردة فی تلک اللیلة کانت توقظنی بین حین وآخر، فأرنو عبثًا إلى القریة الساهمة علنی أرى ذلک السبعینی یتمطى على الطریق أو یطل من شرفة منزله، ثم لا ألبث أن أعود إلى النوم.
أقبل الصباح بضبابه العهید، وشیئًا فشیئًا جعلت بیوت القریة تتراءى من ثنایا الضباب الذی أخذ یذوب فی الأنسام. قمنا للصلاة التی جعلها الهدوء الموصول متدفقة ناضحة بالخشوع. بعد الفراغ عدت إلى الرصد ووضعت البندقیة بجانبی. کان المنظار ندیًا باردًا. مسحت زجاجاته بکمی، وطفقت أدیر الطرف على الطریق الممتد بین الموقع ومنزل العمیل. کان سطوع الشمس یضیء نوافذ القریة، وکان بعض المارة یتجولون بین المنازل، وبضع أغنام تدلف بین الجلول الزراعیة نحو الوادی والراعی یرقبها. أمام البیوت کان البعض یعملون فی الأرض حرثًا، وبین کروم الزیتون أبصرت بعضهم یستعد لموسم القطاف. تناولنا طعام الفطور، وجعلنا نقتسم ساعات الرصد. کانت خیوط الغیم قد تلاشت عند الظهیرة، وشمس أیلول تلهب النسائم فتبعثها حَرّةً متعبة تلفح الوجوه. وما زاد من الحرارة، أن ماء القُرب التی أتینا بها من النهر بدأ ینفد، وبقیت قربة صغیرة یملأ الماء نصفها.
قال أبو صالح :
-قلل من شرب الماء لیکفینا إلى الغد.
-إننی لا أشرب کثیرًا على أی حال.
- الحرارة مرتفعة...
قلت ممازحًا :
-إننا فی کربلاء!
-نحن نتعب کثیرًا.
-نعم لکن بدایة المقاومة کانت أصعب، والتجهیزات البسیطة التی بین أیدینا الآن لم تکن متوفرة. نحن الآن نملک حقائب ظهریة. لقد أخبرنی أبو حسین بأنهم کانوا یحملون قذائف الهاون على مناکبهم ویصعدون بها جبل صافی.
-.. شعبنا تعب کثیرًا فی هذه الحرب.
-لقد اعتدنا ذلک.
- إننا نعیش کما کان یعیش أهلنا منذ مئات السنین، کانوا یعیشون فی بیوت صغیرة وسط الجبال یزرعون بساتینهم ویرعون أغنامهم ویشربون میاه الینابیع والأنهار.
-کانت حیاتهم بسیطة. معیشتهم کانت عذبة هادئة لا یعکرها ضجیج المدن الزائفة.
مکثنا ننتظر الهدف، المنظار مسمر على أعیننا طوال النهار وهنة من المساء. کنا نتبادل الرصد فی ما بیننا بین ساعة وأخرى.
سألته :
-هل رأیت شیئًا ؟
-إلى الآن لم یتحرک ساکن فی ذلک المنزل.
-عجبًا!
-هوِّن علیک قد یأتی فی أیة لحظة...

المصدر: الموقع الرسمی للمقاومة الاسلامیة فی لبنان

 

رایکم
الأکثر قراءة
احدث الاخبار