کثیراً ما نسمع عن "التخصص العسکری" لمجاهدِی الفصائل الفلسطینیة، فهذا ینتمی لوحدة القنص، وهذا متخصصٌ فی الدروع، وذاک فی وحدة الهندسة المختصة بتجهیز العبوات الناسفة، وهؤلاء ینتمون لوحدة المدفعیة "الصاروخیة"، ولکننا الیوم نقف أمامَ روایة بطلٍ من أبطال المقاومة وینتمى لکتائب القسام، کان له باعٌ طویل فی کافة المجالات العسکریة، فکان جاهزاً لخوض أی معرکةٍ فی البر والبحر.
واثق الخطى، منیر الوجه یتنقلُ من مکانٍ لآخر فی ساحاتِ التدریب والإعداد، ومیادین الجهاد والاستشهاد، یطلق النارَ تارة ویصیب الهدف فرحاً بالتقدم، وتارة أخرى یطلق قذیفة "الآر بی جی" على الهدف، وأخرى یستعدُ لإعدادِ عبوةٍ ناسفة، إنه الاستشهادی البطل والمجاهد الصندید "بلال أبو مهادی"
کان عیونُ القیادة العسکریة تتجه نحو ذاک الفارس التی یتنقل کالأسد الهصور فی ساحاتِ الوغى، ومیادین القتال، لیتفق الجمیع على أن "بلال" جاهزٌ لخوضِ العدید من المعارک، ومن مسافة صفر، واقتحام المغتصبات والمواقع الصهیونیة، نظراً للیاقته العالیة وخبرته العسکریة على الرغم من أنه لم یتعدَ "21عاماً"، لیتم اختیاره ضمن "نخبة القسام" التی ستضربُ موقع إیرز الصهیونی.
على أحد شواطئ قطاع غزة، کان یستعدُ بلالٌ وثلةٌ من إخوانه المجاهدین، للبس الزی الخاص بــ "الضفادع البشریة" لخوضِ جولةٍ جدیدةٍ من التدریبات المتمیزة وعلى أعلى مستوى، لإنتاجِ جیلٍ جهادیِ قادرٍ على ضرب العدو فی العمق من البحر، وکان بلال أحد فرسان هذا الجیل العظیم.
"اللهم استعملنا ولا تستبدلنا"
فی ظلمةِ الأنفاق التی أنارتْ دربَ الجهادِ والاستشهادِ، والتی تخضبت بدماءِ شهداءِ "الإعداد والتجهیز" وتبللت بالعرقِ الطاهرِ من مئات المجاهدین الذی کانوا یعملون على مدارِ الساعةِ، من أجل نصرة دینهم وحمایة أوطانهم، وضربِ أوکار الکفر فی العمقِ، کان بلال یتوارى عن عدسة الکامیرا التی أعدها المجاهدون لبث أجواء ما قبل العملیة "عملیة الإنزال خلف خطوط العدو فی إیرز"، وعندما رأى بلال أنه لا بد له من کلمة له أمام الکامیرا کان یکرر کلمة واحدة " اللهم استعملنا والا تستبدلنا .. اللهم استعملنا ولا تستبدلنا "
انطلقَ بلالٌ من "عین النفق" هو وإخوانه المجاهدون، متسلحین بالإیمان بالله عز وجل، متخذین الأسباب فی مواجهة أعتى قوةٍ عسکریة فی المنطقة، لیشتبکوا مع قوات نخبتهم التی رجعت خائبة مصابة مقتولة، تجز أذیال الخیبة والهزیمة، بعدما اشتبکت معهم "نخبة القسام" المکونة من 12 فرداً دخلوا إلى موقع الــ "16" فی شمال قطاع غزة، حتى جاءت قوات کبیرة من أجل إجلاء القتلى والجرحى.
ثباتُ الأهلِ
فی أحد البیوتِ المتواضعة فی مشروع بیت لاهیا شمال القطاع، التی عانت کما البیوتِ الفلسطینیة من ظلم الاحتلال وبطشه، ینظرُ "أبو بلال" إلى صورةِ ابنه الشهید التی أهدت إیاها لجنة العمل الجماهیری فی المنطقة، وکأنه یصول ویجول فی ماضی الزمان یعید ذکریات ابنه الذی کان یمتع ناظریه برؤیته، یرسم له مستقبله وحیاته ویخطط لزواجه.
" إنها فرحةٌ کبیرةٌ ممزوجة ببعض الألم، ولکن هذا الألم ضاعَ مع بشریات العملیة الاستشهادیة التی ضربت الموقع الصهیونی" .. هکذا بدأ عبد الناصر أبو مهادی "44سنة" حدیثه لــ "موقع القسام" .
وأضاف: "بلال ابنی البکر، کنت أنتظرُ أن أعد مستقبله وأراه عریساً، کان فرحتی الأولى فی هذه الحیاة، ولکن بعد هذه العملیة المشرفة البطولیة، فلقد أعد مستقبله هناک فی الجنان، فی الخلود، والحمدُ لله رب العالمین"
"أم بلال" لم تتغیر طریقة حدیثها عن زوجها، فکانت صابرة محتسبة فرحة بنصر الله للمجاهدین فی معرکة "العصف المأکول" على الرغم أنها قدمت فلذة کبدها "بلال" الابن البکر لها.
صمتٌ خلفه کثیر الفعال
مضیفةً: ابنی بلال کان هادئاً خلوقاً، کثیر الصمتِ قلیل الکلام کثیر الفعال، کان لا یخبرنا بشیء عن تحرکاته وجهاده فی سبیل اللهِ، فرحمک الله یا بلال"
ویقول ابن عمه یوسف "30 عاماً" لقد تفاجأنا من أفعال "بلال" کثیراً، لقد علمنا فقط بعد العملیة البطولیة أنه کان یعمل فی الکثیر من التخصصات العسکریة، ویتلقى تدریباتٍ على الأسلحة.
ویضیف: لقد کان بلال نعم المجاهد الفاعل، الذی یتحلى بالصبر والهدوء والصمت، حتى لقى الله عز وجل مقبلاً غیر مدبرٍ هو وإخوانه المجاهدون"
ارتقى "بلالٌ" وتسعة من إخوانه بعدما صالوا وجالوا فی الموقع الصهیونی، وقتلوا منهم وأصابوا منهم الکثیر، ولسانُ حالِ "بلال" یقول .. ارحلوا عن أرضنا .. لا مکان لکم على هذه الأرض الطاهرة، ولیحمل بندقیتی وعتادی من خلفی مجاهدٌ آخر لیکمل الطریق" ..
المصدر: الموقع الرسمی لکتائب االشهید عزالدین القسام